بريدراج مياتوفيتش وقصة عشق مدريد

بين عامــي [ 1997-- 1998 ] ذهبت في رحلة نقاهة واستجمام إلى أسبانيا وكنت حينها أبلغ من العمر قرابة الــ [ 8 ] أعوام .. وكان مقامنا تحديداً في مدينة تينيريفي الساحلية ذات الشواطئ الذهبية الدافئة .. حينها لم أكن من متتبعي كرة القدم والمهتمين بها .
حتى أتى ذلك اليوم عندما قــرر [ خالي ] الذهاب إلى مدريد لحضور إحدى مباريات نادي ريال مدريد في معقله الشهير سانتياجو برنابيو .. فقررت الذهاب برفقته من باب الفضول لا أكثر وملئ الفراغ .. عندما وصلنا إلى مدريد واقتربنا من ملعب ريال مدريد رأيت منظر من أروع ما يكون عندما كانت الجماهير تتدافع للدخول من كل حدب وصوب وكل منهم يحمل وشحاً أو علماً كبيراً أو صغيراً وكانوا يسرون كما لو أنهم موج البحر وكانوا ينشدون الهتافات بصوت واحد .. فحرك هذا المشهد بعض الأحاسيس في قلبي التي زادت من فضولي لأتعرف على هذا الشيء الذي يدعى ريال مدريد الذي فعل بالناس كل هذا .. فما إن دخلنا الملعب حتى اشحت بناظري من سطوع أنواره وقوة وهجها .. وحيث أنه لم يتبقى إلا القليل قبل بدأ مجريات المباراة فكانت معظم المقاعد شاغرة إلا بضعة مقاعد كانت ستملئ قريباً .

وعندما جلسنا في مقاعدنا ودخل لاعبا الفريقين إلى الملعب فجأةً ودون سابق إنذار بدأت تهتز أركان الملعب بهتافات وأصوات الجماهير المتعالية تدريجياً مع كل لحظة .. حتى ظننت أن الملعب سينهار من شدة ذلك الوضع الرهيب .. ومن ثم بدأت مجريات المباراة مع صافرة الحكم وأظن أن الفريق المنافس كان فالانسيا أو أنه أتليتيك بلباو لا أستطيع تذكر ذلك بوضوح .. ثم بدأت تنطلق الهجمات من كل حدب وصوب من الفريقين فكل هجمة تقابل بمثلها .. إلى أن نجح الفريق المنافس بتسجيل الهدف الأول في مرمى ريال مدريد في الدقيقة الــ [ 30 ] تقريباً .. لكن اليأس لم يخيب على لاعبي ريال مدريد فعادوا إلى منتصف الملعب وبعد ركلة البداية انطلق لاعبوا ريال مدريد بهجوم سريع ومنسق من منتصف الملعب قاده كل مــن [ فرناندو هييرو ] و [ فرناندو ريدوندو ] .. وعندما اقتــرب [ ريدوندو ] من منطقة الجزاء أعاد الكرة إلى الخلف بكعبه حيث كــان [ هييرو ] فما كان مــن [ هييرو ] إلا أن أرسل قذيفة قوية من يمناه لترتطم الكرة بالعارضة .. ثم تتحول إلى هجمة مرتدة للفريق المنافس كانت شبه فرصة أكيدة لتحقيق هدف آخر بسبب تقــدم [ ريدوندو ] و [ هييرو ] من مراكزهم مما سهل الأمور على الفريق المنافس .. وحصل ما كان بالحسبان حيث سجل الهدف الثاني في مرمى ريال مدريد في الدقيقة الــ [ 2 ] من الوقت بدل الضائع .

وانتهى الشوط الأول بهزيمة الريال بــ [ 2 - 0 ] .. وكان يبدوا أن اليأس قد بدأ يتسلل إلى قلوب جماهير ريال مدريد حيث أنه خفت هتافهم وقل حماسهم بشكل ملحوظ .. وفي تلك اللحظات كنت أنظر إلى عينــي [ خالي ] الذي خيم عليه الصمت تماماً بعد أن كان يشتعل حماسةً .. وكــان [ خالي ] يتكلم مع أحد الجماهير المحليين الأسبان بشأن قرارات المدرب وطريقة تسيير اللعب .. وبعد أن انتهى من حديثه مع الأسباني أخبرني بأن الأسباني ينتظر وعلى أحر من الجمر دخــول [ مياتوفيتش ] حيث أنه متفائل به .

بدأت مجريات الشوط الثاني من المباراة بدخول متوقع للاعب حامل الرقــم [ 8 ] الصربــي [ مياتوفيتش ] .. وانطلق الهجوم على ريال مدريد بسرعة من ركلة البداية .. لكن الكرة تقطع من منتصف الملعب وتتحول لهجمة مرتدة لصالح ريال مدريد .. ثم عند مقربة من منطقة الجزاء يحصــل [ مياتوفيتش ] على الكرة ليهيئها للقادم من الخلــف [ راؤول ] الذي يسكنها في الشباك في الدقيقة الــ [ 7 ] من الشوط الثاني .. ومن ثم تنفجر الجماهير في المدرجات بالأهازيج والصراخ ورفع الأعلام وما إلى ذلك .. وتستمر بعد ذلك المباراة سجلاً بين الفريقين حتى ينطلــق [ روبرتو كارلوس ] بسرعة مذهلة من الرواق الأيسر بهجمة مرتدة ليمرر الكرة للاعب الحــر [ مياتوفيتش ] الذي يسكن الكرة بطريقة ساقطة من فوق حارس المرمى بطريقة جميلة لتنفجر معها الجماهير فرحةً وبهجة وبدأت الجماهير بترديد جملـة " RISA PASADA " لمدة دقيقة كاملة على أقل تقدير .. وعندما بقي بضع دقائق على نهاية المباراة انطلــق [ مياتوفيتش ] بالكرة مسرعاً تجاه مرمى الخصم ونجح في طريقه بالتخلص من لاعبين بطريقة رائعة وملفتة ثم اسكن الكرة شباك المرمى بعد مجهود فردي لا ينسى .

لتنفجر بعد ذلك كل جماهير البرنابيو فرحةً وتفاعلاً مع النهاية الكلاسيكية الرائعة .. التي أثرت بي حتى اني بدأت أصرخ مع الجماهير كالمجنون .. ثم عاد الجمهور ليردد تلك الجملة " RISA PASADA " حتى دخل اللاعبون إلى غرف تبديل الملابس .

فسئلــت [ خالي ] ماذا يعنون بتلك الجملة ؟؟

بريدراج مياتوفيتش وقصة عشق مدريد Mijatovic140906_ES

بريدراج مياتوفيتش وقصة عشق مدريد Mijatovic140906_ES

فقال لي أن معناها " الضحكة الأخيرة " .. وسبب ترديد الجماهير لتلك الجملة هو مقولــة [ مياتوفيتش ] بأحد تصاريحه : " أكثر ما يعجبني بالجمهور هو الضحكة الأخيرة بعد إحراز الهدف " .. وأصبح الجمهور يردد هذه الجملة كلما نجــح [ مياتوفيتش ] بقلب مجريات المباراة .

ومن تلك اللحظة بعد انتهاء المباراة تحديداً بدأ عشقي لريال مدريد وللشيطان حامل الرقــم [ 8 ] الصربــي [ بريدراج مياتوفيتش ] والذي استمر حتى اللحظة .. [ 10 ] سنوات من العشق .